القصيدة اليتيمة لـ دوقلة المنبجي و قصتها المثيرة
فسأله الإعرابي إلى أين يا أخا العرب؟
فقال دوقلة إلى حمى دعد .
قال الإعرابي: هذا يعني أنك كتبت ملحمتك وأعددت نفسك للقاء الأميرة؟
قال دوقلة : نعم
قال الإعرابي: اسمعني إياها
فروى دوقلة القصيدة، وكان من عادة العرب حفظ الشعر من الرواية الأولى عند كثير من رواة العرب، ولما فرغ منها، أعجبت القصيدة الأعرابي، ولكنه لم يحفظها من الرواية الأولى، فطلب من دوقلة أن يعيدها عليه، فكررها ومازال يطلب منه حتى حفظ الأعرابي القصيدة.
عندئذ قام الأعرابي وقتل دوقلة وحمل القصيدة في قلبه لدعد، وعندما وصل لبلاط الأميرة أخبروها بقدوم شاعر من بلاد بعيدة.
طلبت دعد من الشاعر أن يسمعها القصيدة، فبدأ يقول القصيدة إلى أن وصل لبيت في القصيدة، حفظته “دعد” (وقد كانت على قدر من الثقافة والمعرفة وحب الشعر) وبعد أن فرغ الإعرابي من تلاوة القصيدة، قالت دعد: اقتلوه فإنه قاتل زوجي. فتعجب من في البلاط لفكرة الأميرة وسألوها كيف عرفت أنه قتل زوجها، فقالت الأميرة، يقول هذا الشاعر في قصيدته:
إِن تُتهِمي فَتَهامَةٌ وَطني أَ… و تُنجِدي يكنِ الهَوى نَجدُ
و الأعرابي ليس من تهامة ولا في لكنته شيء من هوى نجد، و كان دوقلة عندما أدرك أن الاعرابي لابد قاتله أضاف إلى قصيدته هذا البيت الذي كشف قاتله.
هَل بالطُلولِ لِسائلٍ رَدُّ ... أَو هَل لَها بِتَكَلُّمٍ عَهدُ
دَرَس الجَديد جَديدَ مَعهَدها ... فَكأنَّما هيَ رَيطةٌ جَردُ
مِن طُولِ ما يَبكي الغَمام عَلى ... عَرَصاتِها وَيُقَهقِه الرَعدُ
وَتُلِثُّ سارية وَغادِيَةٌ ... وَيكُرُّ نَحسٌ خَلفَهُ سَعدُ
تلقي شآمية يَمانية ... لَهما بمورِ تُرابِها سَردُ
فَكَسَت بواطِنُها ظَواهِرُها ... نَوراً كأَنَّ زُهاءَهُ بُردُ
يَغدو فَيسدي نَسجه حَدبٌ ... واهي العُرى وَوئيده عَقدُ
فَوقَفتُ أَسأَلُها وَليسَ بِها ... إِلا المَها وَنقانِقٌ رُبدُ
فَتَبادَرَت دَرَرُ الشُؤون عَلى ... خَدّي كَما يَتَناثَرُ العِقدُ
أَو نَضح عَزلاء العَسيب وَقَد ... راحَ العَسيفُ بِمائِها يَعدو
وَمُكدَّم في عانَةٍ خَفَرَت ... حَتى يُهيّج شأَوها الوَردُ
لَهفي عَلى دَعد وَما خُلِقَت ... إِلا لِطولِ بَليّتي دَعدُ
بَيضاءُ قَد لَبِسَ الأديمُ بهاءُ ... الحُسن فَهوَ لِجِلدِها جِلدُ
وَيَزينُ فودَيها إِذا حَسَرت ... ضافي الغَدائر فاحِمٌ جَعدُ
فالوَجهُ مِثل الصُبح مُنبلِجٌ ... والشَعر مِثلَ الليلِ مُسوَّدُ
ضِدّان لَما استَجمعا حَسُنا ... والضدّ يُظهِرُ حُسنَهُ الضِدُّ
وَجَبينُها صَلتٌ وحاجِبُها ... شَختُ المخَطّ أَزَجُّ مُمتَدّ
وَكأَنَّها وَسنَى إِذا نظَرَت ... أَو مدنَفٌ لما يُفِق بَعدُ
بِفتورِ عَين ما بِها رَمَدٌ ... وَبِها تُداوَى الأَعين الرُّمدُ
وَتُريكَ عَرنيناً يُزيّنه ... شَمَمٌ وَخداً لَونُهُ الوَردُ
وَتجيلُ مِسواك الأراك عَلى ... رَتلٍ كأنَّ رُضابه الشُّهدُ
والجيدُ مِنها جيدُ جازئَةٌ ... تَعطو إِذا ما طَلَّها البَردُ
وامتدَّ مِن أعضادِها قَصَبٌ ... فَعمٌ تَلته مَرافِقٌ دُردُ
والمِعصمان فَما يُرى لَهُما ... مِن نَعمة وَبَضاضَةٍ زَندُ
وَلَها بَنانٌ لَو أَردتَ لَهُ ... عَقداً بِكفّك أَمكن العَقدُ
وَكأنَّما سُقيَت تَرائِبُها ... والنَحرُ ماء الحسن إِذ تَبدو
وَبِصَدرِها حُقّان خِلتُهما ... كافورتينِ عَلاهُما نَدُّ
والبَطنُ مَطويٌّ كَما طوِيَت ... بيضُ الرِباط يَصونُها الملدُ
وَبِخَصرِها هَيَفٌ يُزيّنهُ ... فإِذا تَنوءُ يَكادُ يَنقدُّ
وَلهاهَنٌ رابٍ مَجَسَّتُهُ ... ضيقُ المَسالك حَرَّهُ وَقدُ
فَكأَنَّهُ مِن كِبَرِهِ قَدَحٌ ... أَكلَ العيالُ وَكبَّهُ العَبدُ
فإِذا طَعَنتَ طعَنتَ في لبَدِ ... وإِذا سَلَلتَ يَكادُ يَنسَدُّ
والتَفَّ فَخذاها وَفَوقهما ... كَفَلٌ يُجاذِبُ خَصرِها نَهدُ
فَقيامُها مَثنى إِذا نَهَضَت ... مِن ثِقلِهِ وَقُعودُها فَردُ
والسَاقُ خُرعُبةٌ مُنَعمَّة ... عَبِلَت فَطَوقُ الحِجل مُنسَدُّ
والكَعبُ أَدرَمُ لا يَبينُ لَهُ ... حَجمٌ وَليسَ لِرأسِهِ حَدُّ
وَمَشَت عَلى قَدَمَينِ خُصّرتا ... وأُلينَتا فَتَكامَلَ القَدُّ
ما شانَها طولٌ وَلا قِصَرٌ ... في خَلقِها فَقَوامُها قَصدُ
إِن لَم يَكُن وَصلٌ لَديكِ لَنا ... يَشفي الصَبابةَ فَليَكُن وَعدُ
قَد كانَ أَورَق وَصلكُم زَمَناً ... فَذَوى الوِصالُ وأَورَقَ الصَدُّ
لِلَّهِ أَشواقي إِذا نَزَحَت ... دارٌ بِنا وَنأى بِكُم بُعد
إن تُتهِمي فَتَهامَةٌ وَطَني ... أَو تُنجِدي إِنَّ الهَوى نَجدُ
وَزَعمتِ أَنَّكَ تَضمرينَ لَنا ... ودّاً فَهلاّ يَنفَعُ الودُّ
وإِذا المُحبّ شَكا الصُدود وَلَم ... يُعطَف عَليهِ فَقَتَلَهُ عَمدُ
تَختَصّها بالود وَهيَ عَلى ... ما لا تُحِبُّ فَهَكَذا الوَجدُ
أَو ما تَرى طِمريَّ بَينَهُما ... رَجُلٌ أَلحَّ بِهَزلِهِ الجِدُّ
فالسَيفُ يَقطَعُ وَهوَ ذو صَدأ ... والنَّصلُ يَعلوا الهامَ لا الغِمدُ
هَل يَنفعنَّ السَيفَ حِليَتَهُ ... يَومَ الجلاد إِذا نَبا الحَدُّ
وَلَقَد عَلِمتِ بأَنَّني رَجُلٌ ... في الصَالِحاتِ أَروُحُ أَو أَغدو
سلم عَلى الأَدنى وَمَرحَمةٌ ... وَعَلى الحوادِثِ هاديءٌ جَلدُ
مُتَجلبِبٌ ثَوبَ العَفاف وَقَد ... غَفَلَ الرَقيب وأَمكَنَ الوِردُ
وَمُجانِبٌ فِعلَ القَبيح وَقَد ... وَصَلَ الحَبيبُ وَساعَدَ السَعدُ
مَنَع المطامِعَ أَن تُثلّمني ... إِنّي لِمعوَلِها صَفاً صَلهُ
فأَروحُ حرّاً مِن مَذلّتِها ... والحرُّ حينَ يُطيعُها عَبدُ
آلَيتُ أَمدح مُقرِفاً أَبَداً ... يَبقى المَديحُ وَيَذهَبُ الرَفدُ
هَيهاتَ يأَبى ذاكَ لي سَلَفٌ ... خَمَدوا وَلَم يَخمد لَهُم مَجدُ
والجَدُّ كِندَةُ والبَنونُ هُمُ ... فَزَكا البَنونُ وأَنجَبَ الجَدُّ
فَلِئَن قَفَوت جَميلَ فِعلهمُ ... بِذَميم فِعلي إِنَّني وَغدُ
أَجمِل إِذا حاولتَ في طَلَب ... فالجِدُّ يَغني عنكَ لا الجَدُّ
ليَكُن لَديك لِسائلٍ فَرَجٌ ... إِن لَم يَكُن فَليَحسُنِ الرَدُّ
وَطَريد لَيلٍ ساقَهُ سَغَبٌ ... وَهناً إِليَّ وَقادَهُ بَردُ
أَوسَعَت جُهد بَشاشَةٍ وقِرى ... وَعَلى الكَريم لِضيفِهِ الجُهدُ
فَتصرَّم المَشتى وَمَنزلُهُ ... رَحبٌ لَديَّ وَعَيشهُ رَغدُ
ثُمَ اغتَدى ورِداؤُهُ نِعَمٌ ... أسأرتُها ورِدائي الحَمدُ
يا ليتَ شِعري بَعدَ ذَلِكُم ... وَمَصيرُ كلِّ مُؤَمّلٍ لَحدُ
أَصريعُ كَلم أم صريعُ ضنىً ... أَودى فَليسَ مِن الرَدى بُدُّ