وَدَّعْتُها ولَهِيبُ الشّوْقِ في كَبِدي ... الشاعر الذي قتل زوجته


 

ديك الجن واسمه عبد السلام بن رغبان بن عبد السلام بن حبيب بن عبد الله بن رغبان بن مزيد بن تميم الكلبي الحمصي شاعر عربي عباسي، مولود في العام 161 هـ في مدينة حمص، وتوفي في العام 236 هـ.

حكاية ذلك أن ديك الجنِّ قام برحلةٍ، بعيدًا عن حمص طلبًا للمالِ كي يردَّ بعض ديونه المستحقة، وعندما لاحَ خبر عودته قام ابن عمه أبو الطيبِ بالإيقاع بينه وبين زوجته، فقام بإعلامها أن ديك الجن قد قتل على الطريق، فسيطر عليها الحزن والكمد وملأها الهم والحسرةُ..
وفي ذات الوقت قام أبو الطيبِ بإعلامِ صديقِ ديك الجنِّ (بكر) بذات الخبرِ، وطلب منه الذهاب إلى بيت صديقه كي يهدِّئَ من روع زوجته (ورد) فذهب (بكر) إلى بيت صديقه وشارك وردًا في همها، وحزنها على زوجها، وشرع بمواساتها وتهدئتها، ومع وصول ديك الجنِّ (سالمًا) إلى حمصَ، أسرع إليه ابن عمه أبو الطيب وأخبره بوجود صديقه في بيت زوجته أثناء غيابه، وأنه كان يتردد إليها باستمرار
.

فاستبد الغضب بديك الجن ومضى هائجا إلى بيته، وعندما تحقق من صحة ما رواه أبو الطيب، شهر سلاحه وقتل زوجته وصديقه بسيفه، وكتب لأحمد بن علي قصيدة يمدحه فيها ويبلغه خبر المرأة وخيانتها قال فيها:


إِنَّ رَيْبَ الزَّمانِ طالَ انْتِكائُهْ ... كَمْ رَمَتْني بحادِثٍ أَحْداثُهْ
ظَبْيُ أُنْسٍ قَلبي مَقِيلُ ضُحاهُ ... وفُؤَادِي بَرِيرُهُ وكَبَائُهْ
كَمْ وكَمْ أَسْتَغيثُ مِنْ شَحْطَةِ الدَّارِ ... ولَمْ يُسْعِفِ النّوى مُسْتَغَاثُهْ
ولِعَيْني دَمْعٌ تَسِيلُ مَثَانيهِ ... وتَجْرِي رباعُهُ وثلاثُهْ
خِيفَةً أَن يَخُونَ عَهْدِي وأَنْ يُضْحِي ... لِغَيْرِي حُجُولُهُ ورِعَائُهْ
فإذا شَاءَ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ ... ضَمَّ شَمْلاً لَهُ يَخافُ انْشِعَاثُهْ 
 
و قال أيضا:
 

قُلْ لِمَنْ كانَ وَجْهُهُ كضِياءِ ... الشّمْسِ في حُسْنِهِ وبَدْرٍ مُنيرِ
كنتَ زَيْنَ الأَحْياءِ إِذ كُنْتَ فيهمْ
... ثُمَّ قَدْ صِرْتَ زَيْنَ أهلِ القُبورِ
بأبي أنتَ في الحياةِ وفي الموتِ
... وتحتَ الثّرَى ويومَ النُّشُورِ
خُنْتَني في المَغِيبِ والخَوْنُ نُكْرٌ
... وذَمِيمٌ في سَالفاتِ الدُّهُورِ
فَشَفَاني سَيْفي وأَسْرَعَ في حَزِّ
... التّراقي قَطْعَاً وحَزِّ النُّحورِ 

لكن ديك الجن اكتشف حقيقة الخدعة التي حبكها ابن عمه، وندم ندمًا شديدًا، ومكث شهرًا لا يرقأ له دمع ولا يطعم من الطعام إلاَّ ما يقيم رمقه. وقال في ندمه على قتلها: 
 
يا طَلْعَةً طَلَعَ الحِمَامُ عَلَيها ... وجَنَى لَها ثَمَرَ الرَّدَى بِيَدَيْها
رَوّيْتُ مِنْ دَمِها الثّرى ولَطَالَما
... رَوَّى الهَوَى شَفَتَيَّ مِنْ شَفَتيْها
قَدْ باتَ سَيْفي في مَجَالِ وِشَاحِها
... ومَدَامِعِي تَجْرِي على خَدَّيْها
فَوَحَقِّ نَعْلَيْها وما وَطِىءَ الحَصَى
... شَيءٌ أَعَزُّ عَلَيَّ مِنْ نَعْلَيْها
ما كانَ قَتْليِها لأَنِّي لَمْ أَكُنْ
... أَبكي إذا سَقَطَ الذُّبَابُ عَلَيْها
لكنْ ضَنَنْتُ على العيونِ بِحُسْنِها
... وأَنِفْتُ مِنْ نَظَرِ الحَسُود إِليها 

و قال أيضا:

جاءَتْ تَزُورُ فِراشي بَعْدَمَا قُبِرَتْ
... فَظَلْتُ أَلْثُمُ نَحْراً زَانَهُ الجِيدُ
وقُلْتُ قُرَّةَ عيني قدْ بُعِثْتِ لَنَا
... فكيفَ ذَا وطَريقُ القَبْرِ مَسْدُودُ
قالتْ هناكَ عِظَامِي فيهِ مُودَعَةٌ
... تَعِيثُ فيها بَنَاتُ الأرضِ والدُّودُ
وهذِهِ الرُّوحُ قدْ جَاءَتْكَ زائرةً
... هذي زِيارَةُ مَنْ في القَبْرِ مَلْحُودُ
 
و قال:
 
وَدَّعْتُها ولَهِيبُ الشّوْقِ في كَبِدي ... والبَيْنُ يُبْعِدُ بينَ الرُّوحِ والجسَدِ
وَدَاعَ صَبّيْنِ لَمْ يُمْكِنْ وَدَاعهما
... إِلاَّ بلَحْظَةِ عَيْنٍ أَوْ بَنانِ يَدِ
وَدَّعْتُها لِفِراقٍ فاشْتَكَتْ كَبِدِي
... إِذْ شَبّكَتْ يَدَها مِنْ لَوْعَةٍ بِيَدِي
وحاذَرَتْ أَعْيُنَ الواشِينَ فانْصَرَفَتْ
... تَعَضُّ مِنْ غَيْظِها العُنّابَ بالبَرَدِ
فكانَ أَوَّلُ عَهْدِ العَيْنِ يومَ نَأَتْ
... بالدَّمْعِ آخِرُ عَهْدِ القَلْبِ بالجَلَدِ
جَسَّ الطّبيبَ يَدي جَهْلاً فقلتُ لهُ
... إِنَّ المَحَبّةَ في قَلْبي فَخَلِّ يَدي
ليسَ اصْفِراري لِحُمّى خامَرَتْ بَدَني
... لكنَّ نارَ الهوى تَلْتَاحُ في كَبِدِي
فقال هذا سَقَامٌ لا دَواءَ لَهُ
... إِلاَّ بِرُؤْيَةِ مَنْ تَهْواهُ يا سَنَدِي  
 
 و قال:

أَساكِنَ حُفْرَةٍ وقَرارِ لَحْدِ ... مُفَارِقَ خُلّةٍ مِنْ بعدِ عَهْدِ
أَجبني إِنْ قدرتَ على جَوابي
... بحَقِّ الوُدِّ كَيفَ ظَلِلْتَ بَعْدي
وأَينَ حَلَلْتَ بعدَ حُلولِ قَلْبي
... وأَحْشائي وأَضْلاعي وكِبْدِي
أَمَا واللّهِ لو عايَنْتَ وَجْدِي
... إذا اسْتَعْبَرْتُ في الظّلْماءِ وَحْدِي
وَجَدَّ تَنَفُّسِي وعَلا زَفيري
... وفَاضَتْ عَبْرَتِي في صَحْنِ خَدِّي
إِذَنْ لَعَلِمْتَ أَنِّي عَنْ قَرِيبٍ
... سَتُحْفَرُ حُفْرَتي ويُشَقُّ لَحْدِي
ويَعْذِلُني السّفِيهُ على بُكائي
... كأَنِّي مُبْتَلىً بالحزنِ وَحدِيْ
يقولُ قَتَلْتَها سَفَهاً وجهلاً
... وتَبْكيها بكاءً ليسَ يُجْدِي
كَصَيّادِ الطُّيورِ لهُ انْتِحابٌ
... عليها وهوَ يَذْبَحُها بِحَد

أرشيف المدونة

نموذج الاتصال

إرسال