قصة هدبة بن الخشرم
هدبة بن الخشرم أصله من قبيلة عذرة، القبيلة المشهورة بالحب توافق آنّه حج و كان هدبة صاحب زيادة بن زيد العذرىّ، وهما مقبلان من الشأم فى نفر من قومهما، فكانوا يتعاقبون السّوق بالإبل، فنزل زيادة يسوق بأصحابه، فرجز فقال:
عوجى علينا واربعى يا فاطما ... ما دون أن يرى البعير قائما
ألا ترين الدّمع منى ساجما ... حذار دار منك أن تلائما
وكانت فاطمة هذه آخت هدبة، فاستشاط غضبا أنّه شبّب بها و خاصة آن فاطمة كانت معهم تسمع قول زيادة، فنزل هدبة فساق بالقوم، ورجز بأخت زيادة، وكان يقال لها أمّ القاسم، فقال:
متى تظنّ القلص الرّواسما ... يبلغن أمّ قاسم وقاسما
خودا كأنّ البوص والمآكما ... منها نقا مخالط صرائما
لا يشفى الفؤاد الهائما ... تمساحك اللّبّات والمعاصما
ولا اللّمام دون أن تلازما ... ولا الّلزام دون أن تفاقما
وتعلق القوائم القوائما
فتشاتما، فلمّا وصلا إلى ديارهما جمع زيادة رهطا من أهل بيته، فضرب هدبة على ساعده، وشجّ أباه خشرما.
فلم يزل هدبة يطلب غرّة من زيادة، حتى أصابها، فقتله، وتنحّى مخافة السلطان، وعلى المدينة يومئذ سعيد بن العاص، فأرسل إلى عمّ هدبة وأهله فحبسهم فى المدينة، فلما بلغ ذلك هدبة أقبل حتى أمكن من نفسه، و خلّص عمّه وأهله من السجن.
كره سعيد بن العاص أن يحكم بينهم لعدم قبولهم الدية و مطالباتهم بالقصاص فدفع بهدبة إلى خليفة المسلمين في ذلك الوقت وهو معاوية بن أبي سفيان فكلم هدبة بما نسب إليه من تهمة فقال في ذلك شعرا من ضمنه
رمينا فرامينا فصادف رمينا … منايا سهام في كتاب و قدر
فقال له معاوية أراك قد اعترفت بذلك، لكنه كره ان يقتل هدبة و ظن به لأنه كان رجلا عظيما فقال لهم معاوية هل تقبلون بالدية فقالوا لا نقبل فقال هل له من ولد فقالو نعم المسور ولكنه صغير فأمر معاوية بهدبة إلى السجن حتى يبلغ المسور ثم يقتل أو يعفو ويقال أنه سجن ثلاث سنوات و قيل سبع، و في فترة سجنه زاره بعض اصدقائه فقال:
أَلا عَلِّلاني قَبلَ نَوحِ النَوائِحِ … وَقبلَ اطِّلاعِ النَفسِ بَينَ الجَوانِحِ
وَقَبلَ غَدٍ يا لَهفَ نَفسي عَلى غَدٍ … إِذا راحَ أَصحابي وَلَستُ بِرائِحِ
إِذا راحَ أَصحابي بِفَيضِ دُموعِهِم … وغُودِرتُ في لَحدٍ عَليَّ صَفائِحي
يَقولونَ هَل أَصلَحتُمُ لأَخيكُمُ … وَما الرَمسُ في الأَرضِ القِواءِ بِصالِحِ
يَقولونَ لا تَبعُد وَهُم يَدفِنونَني … وَليسَ مَكانُ البُعدِ إِلا ضَرائِحي
و قال ايضاً عندما زاره صديقه أبو نمير و قد كان مكتئبا حزينا عليه:
طَرِبتَ وأَنتَ أَحياناً طَروبُ … وَكيفَ وَقَد تعَلّاكَ المَشيبُ
يُجِدّ النأَيُ ذِكرَكِ في فؤَادي … إِذا ذَهِلَت عَنِ النأي القُلوبُ
يؤَرِّقُني اكتِئابُ أَبي نُمَيرٍ … فَقَلبي مِن كآبَتِهِ كَئيبُ
فَقُلتُ لَهُ هَداكَ اللَهُ مَهلاً … وَخَيرُ القَولِ ذو اللُّبِّ المُصيبُ
عَسى الكَربُ الَّذي أَمسَيتُ فيهِ … يَكونُ وَراءَهُ فَرَجٌ قَريبُ
فَيأَمنَ خائِفٌ ويُفَكَّ عانٍ … وَيأَتي أَهلَهُ النائي الغَريبُ
أَلا لَيتَ الرياحَ مُسَخَّراتٌ … بِحاجَتِنا تُباكِرُ أَو تَؤوبُ
فَتُخبِرنا الشَمالُ إِذا أَتَتنا … وَتُخبِر أَهلَنا عَنّا الجَنُوبُ
فإِنّا قَد حَلَلنا دارَ بَلوى … فَتُخطِئُنا المَنايا أَو تُصِيبُ
فإِن يَكُ صَدرُ هَذا اليَومِ وَلّى … فإِنَّ غَداً لِناظِرِهِ قَريبُ
وَقَد عَلِمَت سُليَمى أَنَّ عودي … عَلى الحَدَثانِ ذو أَيدٍ صَليبُ
وأَنَّ خَليقَتي كَرَمٌ وأَنّي … إِذا أَبدَت نَواجِذَها الحروبُ
أُعينُ عَلى مَكارِمها وَأَغشى … مَكارِهَها إِذا كَعَّ الهَيوبُ
وأَنّي في العَظائِمِ ذو غَناءٍ … وأُدعى لِلفعالِ فأَستَجيبُ
وأَنّي لا يَخافُ الغَدرَ جاري … وَلا يَخشى غوائِلي الغَريبُ
وَكَم مِن صاحِبٍ قَد بانَ عنّي … رُميتُ بِفَقدِهِ وَهوَ الحَبيبُ
فَلَم أُبدِ الَّذي تَحنوا ضُلوعي … عَليهِ وإِنَّني لأَنا الكَئيبُ
مَخافَةَ أَن يَراني مُستَكيناً … عَدوٌ أَو يُساءَ بِهِ قَريبُ
وَيَشمَتَ كاشِحٌ وَيَظُنَّ أَنّي … جَزوعٌ عِندَ نائِبَةٍ تَنوبُ
فَبَعدَكَ سَدَّتِ الأَعداءُ طُرقاً … إِليَّ وَرابَني دَهرٌ يَريبُ
وأَنكَرتَ الزَمانَ وَكُلَّ أَهلي … وَهَرَّتني لِغيبِتكَ الكَليبُ
وَكُنتُ تُقَطَّعُ الأَبصارُ دوني … وإِن وَغِرَت مِنَ الغَيظِ القُلوبُ
وَقَد أَبقى الحَوادِثُ مِنكَ رُكناً … صَليباً ما تؤَيِّسُهُ الخُطوبُ
عَلى أَنَّ المَنيَّةَ قَد توافي … لِوَقتٍ والنوائِبُ قَد تَنوبُ
و لما سيق هدبه الى القتل نظر في وجه زوجته و قد كانت من أجمل نساء العرب وجها و قال:
فلا تنكحى إن فرّق الدّهر بيننا ... أغمّ القفا والوجه ليس بأنزعا
ضروبا بلحييه على عظم زوره ... إذا القوم هشّوا للفعال تقنّعا
فأخدت سكينا و جدعت أنفها و قالت: أتظن بعدك زواجا، فقال الأن طاب لي الموت و أخد يمشي في قيده فنظر فرأى أبيه و أمه فقال:
أَبلياني اليَومَ صَبراً مِنكُما … إِنَّ حُزناً مِنكُما عاجِلُ ضُر
لا أَرى ذا المَوتَ إِلّا هَيِّناً … إِنَّ بَعدَ المَوتِ دارَ المُستَقَر
اصبِرا اليَومَ فإِني صابِرٌ … كُلُّ حَيٍّ لِقَضاءِ وَ قَدَر
ثم نظر إلى القوم و قال
إِن تَقتلوني في الحَديدِ فإِنَّني … قَتَلتُ أَخاكُم مُطلَقاً لَم يُقَيَّدِ
فأمرو بنزع الأغلال عنه ثم ان معاوية كلم المسور في العفو و الدية و كاد ان يقبل لولا قول أمه له والله لو قبلت غير القصاص لتزوجت قاتل أبيك فتقول العرب قتل اباه و نكح أمه فخشي المسور ان يصبح سبة بين العرب.
عندها طلب هدبة السماح له بأن يصلي ركعتين فسمح له بذلك فصلي ركعتين و خففهما ولم يطل بهما ثم قام وقال و الله لولا أن تقولوا خفت من الموت لأطلت وإني بحاجة لأن اطيل ثم انثنى على ركبتيه فسلم عبد الرحمن اخو زيادة السيف للمسور ابن زيادة فنظر إليه هدبة وقال اضرب ها هنا وشد عليه يدك فإني قد يتمتك صغيرا و رملت أمك شابة فضربه فقتله بضربتين.