أَلا لا تَلوماني كَفى اللَومَ ما بِيا .... قصة ابن عبد يغوث الحارثي



هوعبد يغوث بن الحارث بن وقاص الحارثي. كان عبد يغوث رجلا عظيم الجسم جميلا، وكان كريما وفارسا معدودا وسيّدا في قومه، قاد قومه يوم الكلاب الثاني و كان يوما  مختلفا لم تعهد الجاهلية يوما مثله حيث جمعت بنو الحارث معها عدد من القبائل المذحجية لغزو بني تميم، فساروا في أكثر من ثمانية آلاف مقاتل وكانت الدائرة في بداية المعركة لبني الحارث وحلفائها وقد قتلوا سيد بني تميم وفارسها النعمان بن مالك بن جساس التميمي إلا أن بني تميم استطاعوا الصمود والثبات والصبر والمصابرة حتى دارت الدائرة على حلف مذحج وقتل من قتل وأسر من أسر.
وكان من الأسرى قائد بني الحارث عبد يغوث الحارثي، وكان شاعرا بليغا وفارسا مجيدا وقد حاول أن يفتدي نفسه منهم بالإبل ولكن لم يقبل ذلك أهل النعمان بن مالك بن جساس. فقرروا قتله بفارسهم.
و خشيت تميم من لسانه فربطوا فمه بنسعة حتى لا يقول شعرا يهجوهم به فيسير في العرب مسير الشمس. 
و قصة أسره أنه لما إنهزم قومه و هربوا من المعركة لاحقهم بنو تميم فثبت هو ليحمي الذمار ومؤخرة قومه حتى أنهكه التعب فأسره غلام لا خبرة له بالقتال و بعد أسره رأته أم العبشمي الذي أسره، قالت من أنت؟ وقد شاهدت عبد يغوث عظيما جميلا جسيما؟ فقال: أنا سيد القوم. فضحكت وقالت: قبحك الله من سيد قوم حين أسرك هذا الأهوج، تقصد ولدها الفتى.
وفي آخر لحظات حياته قال لبني تميم: يابني تميم اقتلوني قتلة كريمة. قالوا : وكيف ذلك ؟ قال: اسقوني خمرا وأبعدوا النسعة عن فمي حتى أرثي نفسي، فلما أطلقو لسانه قال مرثيته الخالدة التي هي:

أَلا لا تَلوماني كَفى اللَومَ ما بِيا ... وَما لَكُما في اللَومِ خَيرٌ وَلا لِيا
أَلَم تَعلَما أَنَّ المَلامَةَ نَفعُها
... قَليل وَما لَومي أَخي مِن شمالِيا
فَيا راكِباً إِمّا عَرَضتَ فَبَلَّغَن
... نَدامايَ مِن نَجرانَ أَن لا تَلاقِيا
أَبا كَرِبٍ وَالأَيهَمَينِ كِلَيهِما
... وَقَيساً بِأَعلى حَضرَمَوتَ اليَمانِيا
جَزى اللَهُ قَومي بِالكُلابِ مَلامَةً
... صَريحَهُم وَالآخَرينَ المَوالِيا
وَلَو شِئتُ نَجَّتني مِنَ الخَيلِ نَهدَةٌ
... تَرى خَلفَها الحُوَّ الجِيادَ تَوالِيا
وَلَكِنّني أَحمي ذِمارَ أَبيكُم
... وَكانَ الرِماحُ يَختَطِفنَ المُحامِيا
وَتَضحَكُ مِنّي شَيخَةٌ عَبشَمِيَّةٌ
... كَأَن لَم تَرى قَبلي أَسيراً يَمانِيا
وَقَد عَلِمَت عَرسي مُلَيكَةُ أَنَّني
... أَنا اللَيثُ مَعدُوّاً عَلَيَّ وَعادِيا
أَقولُ وَقَد شَدّوا لِساني بِنِسعَةٍ
... أَمَعشَرَ تَيمٍ أَطلِقوا عَن لِسانِيا
أَمَعشَرَ تَيمٍ قَد مَلَكتُم فَأَسجِحوا
... فَإِنَّ أَخاكُم لَم يَكُن مِن بَوائِيا
فَإِن تَقتُلوني تَقتُلوا بِيَ سَيِّداً
... وَإِن تُطلِقوني تَحرُبوني بِمالِيا
وَكُنتُ إِذا ما الخَيلُ شَمَّصَها القَنا
... لبيق بِتَصريفِ القَناة بنَانِيا
فيا عاصِ فكَّ القَيد عنّي فإنني
... صَبور على مرِّ الحوادثِ ناكِيا
أَحَقّاً عِبادَ اللَهِ أَن لَستُ سامِعاً
... نَشيدَ الرُعاءِ المُعزِبينَ المَتالِيا
وَقَد كُنتُ نَحّارَ الجَزورِ وَمُعمِلَ ال
... مطيَّ وأمضي حيث لاحي ماضيا
وَأَنحَرُ لِلشَربِ الكِرامِ مِطِيَّتي
... وَأَصدَعُ بَينَ القَينَتَينِ رِدائِيا
وَعادِيَةٍ سَومَ الجَرادِ وَزَعتُها
... بِكَفّي وَقَد أَنحَوا إِلَيَّ العَوالِيا
كَأَنِّيَ لَم أَركَب جَواداً وَلَم أَقُل
... لِخَيلِيَ كُرّي نَفِّسي عَن رِجالِيا
وَلَم أَسبَإِ الزِقَّ الرَوِيَّ وَلَم أَقُل
... لِأَيسارِ صِدقٍ أَعظِموا ضَوءَ نارِيا

أرشيف المدونة

نموذج الاتصال

إرسال